1- عقيدة جان جاك روسو

إن الضمير ليس وهمًا كما علمونا صغارًا، الضمير جزء من الطبيعة؛ فلا تقاوم الطبيعة. والتجارب تدفع المرء إلى التفكير في كل تصوراته ومبادئه، حتى يفند الواقع كل تصوراته عن الفضائل الإنسانية، حتى تلازمه حالة من الحيرة والشك وعناء نفسي، تلك التي يراها ديكارت ملازمة لكل باحث عن الحقيقة.

ولكن كيف يمكن للإنسان أن يتخذ الشك عقيدة ويلتزم بها عن حسن نية؟ الفلاسفة الشكاكون إما لا وجود لهم، وإما هم أشقى سكان الأرض. أما الكنيسة، فتجبر الفرد على التصديق، وإن رفضت الجزء صرت متهمًا برفض الكل.

إذا نظرت إلى كتابات الفلاسفة تجدهم مثل القساوسة، واثقون، حتى الذين يتظاهرون بالشك، يعرفون كل شيء. تجدهم في هجومهم أقوياء، وفي دفاعهم ضعفاء، فحججهم لا تليق إلا بالهدم. ثم تجد أن أصل هذا التباين الهائل في تصوراتهم يعود إلى عجز الإنسان أولا وإلى تكبره ثانيًا. فالإنسان ضئيل أمام الكون، لا يستطيع تحديده، بل هو يجهل حتى نفسه. وبالرغم من ذلك، يأخذه الغرور في أن يجادل في حقيقة الله، حقيقة ذلك الكل والعلاقة التي تربطنا به. هكذا فإن الفلاسفة لا يحدّوا من الريب والشك داخل الباحث عن الحقيقة، بل يزيدونه.

الوجدان الداخلي للإنسان هو الطريق البديل إلى الحقيقة. تلك الطبيعة التي لا يمكن أن تضل صاحبها. ما يطمئن له قلبك اعتبره حقيقة بديهية.

2- الوجدان.. الطريق الوحيد للحقيقة

أول الحقائق التي يجب الإقرار بها هي: "أنا كائن، لدي حواس تؤثر فيّ." تلك المحسوسات الخارجية التي تتصل بغيري أيضًا حتى وإن كانت مجرد أفكار، فهي أفكار غيري، فهل وعيي بنفسي منفصل أم متصل بتلك المحسوسات؟ وهل يمكن الاستقلال عنها؟ فالرؤية إحساس، المقارنة حكم. الإحساس والحكم مختلفان. الرؤية تصور الأشياء كما هي في الواقع، ولكن المقارنة هي تحريك الأشياء ووضع الواحدة فوق الأخرى.

وعندما نخطئ في تقدير النسبة بين شيئين، فمثلًا قضيبين أحدهما نراه ثلث الثاني، وفي الحقيقة هو ربعه، ذلك الخطأ هو تأثير المحسوسات على عقولنا. ومهما كان اسم هذه القوة الذهنية فهي في نفوسنا وليست في الأشياء. فالحقيقة إذن في الأشياء وليست في الحكم. إذن، فلا خيار لنا أن نحس أو لا نحس، ولكن لنا مطلق الحرية في تمحيص محسوساتنا كثيرًا أو قليلًا.

فمثلا، إننا نعتقد أن الأصل في المواد السكون، فإذا رأى جسم يتحرك يحكم عليه على الفور إما أنه حس أو أنه مدفوع بقوة. وبما أن الإنسان والحيوان جزء من ذلك الكون فإنه لا يتحرك بعفوية بل يتحرك مدفوعًا. إذا فرضنا أنه لا توجد حركة عفوية فذلك معناه أنه لا توجد حركة أولى، فالحركة الأولى بالطبع كانت عفوية. إذن فالأسباب الأولى للحركة لا توجد في المادة، وإنما توجد في مشيئة المحرك الأول.

إذن.. كيف تؤثر الإرادة في المادة؟ هذا سر لا ندركه، ولكننا نعرف بالتجربة أنه يحدث. أريد أن أحرك جسمي، يتحرك جسمي. وبالمثل لا نعرف كيف تؤثر حواسنا في أنفسنا.

لم يكشف أبدًا لغز الميتافيزيقا، ولكن الفكر الفلسفي مليء بترهات تكتسب زهوها فقط من زينتها الكلامية، وليس من حجتها. لا يمكن أن يكون الكون مجرد فوضى غير منتظمة، فهذا كلام لا يعقل، ولكن من يدعي أنه فك شفرة هذا الكون فعليه أن يقول كلامًا مفهومًا.

3- الروح والعقل والمادة

4- العقل والإرادة والضمير

5- دين الفطرة

6- لماذا دين الفطرة؟